آخر الأخبار:

الباشمهندسة فاطمة

 
الباشمهندسة فاطمة


فى استوديو التليفزيون تجلس هذه الفتاة الشابة واثقة الكلام تدافع عن حقها فى النقابة التى ترعى تخصصها وتحفظ حقوقها المهنية وتضع برامج للتنمية فى مجال الحاسبات والمعلومات .

من ضمن الضيوف رجل يلبس بدلته التقليدية ، مضحكة الهيئة التى يظهر عليها ، يطيل شعره ويرسله على جانب رأسه : أنتى أيتها الفتاة ليس مكانك هنا لتدافعى عن نقابتك ، إنه أمر يخصنا نحن الرجال وأساساً النقابة التى تتحدثين عنها مشروعها فاشل وبه سلبيات كثيرة .

مندوب الحكومة يجب أن يدافع عن الحكومة لكن ما شأن الحكومة وشأن من يتكلم باسم الحق ، رجل كان أو امرأة ، ما شأن الحكومة بقضية المرأة ونحن هنا نتحدث عن قضية نقابة لمهندسى البرمجيات .

سحبت الفتاة بعضاً من هواء الاستوديو ، وتبادلت الشهيق مع الزفير ، امتصت طاقة الغضب بداخلها ثم هدأت وانتظرت كلمة الاعلامى مقدم الحوار التليفزيونى .

الاعلامى : تفضلى يا أنسة فاطمة .
فاطمة : أولاً حضرتك أنا مش هعلق على كل اللى اتقال هنا وهتكلم عن مشروع النقابة ، حضرتك ايه المشاكل اللى شايفها فى مشروع النقابة .
رجل الحكومة : مين قال إن فيه مشاكل .
الفتاة فاطمة : حضرتك قلت إن مشروع النقابة فى مشاكل كثيرة .
رجل الحكومة : لا أنا كنت عايز أقول لحضرتك إن هنا مش مكانك الأول ، أنا بتكلم مع رجال .
الفتاة فاطمة : يا فندم ، خلاص أنا هنا ممثلة عن مشكلة زمايلى وأبناء مجالى ، حضرتك عايز تناقش الموضوع أنا مستعدة .
رجل الحكومة : دلوقتى نقابة مهندسى البرمجيات ، مش ينفع الاسم ده لأن مش أى واحد يبقى مهندس .
الفتاة فاطمة : يا فندم السؤال اللى حضرتك بتسأله ده سؤال رجل الشارع العادى اللى فاكر كلية حاسبات ومعلومات دى معهد مش كلية ، ولا يليق أساساً أن تسأله ولا يليق أن أجاوب عليه .
رجل الحكومة : انتى بتغلطى فيا يا أنسة ، طب والله ما أنا مكمل الحلقة دى .

الفتاة فاطمة تسأل المذيع ضاحكة : حضرتك متأكد أن هذا الرجل هو ممثل عن الحكومة فى المشكلة .
المذيع : قبل الحلقة فى الحقيقة لم أكن متأكداً لكن بعد ما صدر منه الأن تأكدت أنه هو الممثل عن الحكومة .

تعود فاطمة الطالبة بالفرقة الثالثة حاسبات القاهرة لسيارة والدها ، وهى فى الطريق يعاتبها والدها ساخراً ، مش كنتى تدخلى هندسة وتبطلى نشفان الدماغ ده ، يا ناس فيه حد يبقى الأول على الثانوية العامة ويدخل كلية بتاخد من 93 % .

الفتاة فاطمة : أنت تعرف يا والدى ردى هيبقى ايه ، ده اختيارى ، هناك احصائية تقول بأن 97 % من أهل الأرض لا يعيشون أحلامهم بل أحلام أشخاص أخرين ، أنا من الــ 3 % الأخرين ، هؤلاء الذين يعيشون أحلامهم لا أحلام أبائهم ولا أصحابهم ولا أقربائهم ، أنا من هؤلاء الذين يختارون مجال عملهم الذى خلقوا إليه مهما كانت نظرة الناس إليه ، أبى إن القيمة بالمعمول لا بالعمل ، نعم أنا فى بلد الألقاب لكن الألقاب تصنع مكانة مؤقتة ولا تخلد صاحبها ، فى الدول الناحجة عامل النظافة كرئيس الوزراء ، كلهم سواء ولا أحد أدنى منهم إلا العاطل عن العمل الذى لا يقدم شىء لبلده ونفسه .

فى حقيقة الأمر كلنا سواء والفروق بيننا علمية ومالية ، والمال إن ذهب يعود لكن العلم كيف إن ذهب يعود ؟ إنه لا يعود ، تدرك أنى أبحث عن العلم لا عن المال ، لن أخبرك بأن المال ليس مهما لأنه مهماً ، لكن حبى واعتزازى بنفسى أهم . تعرف حبى لمجال الكومبيوتر ، تعلم تفوقى فيه منذ الصغر ، تعلم أنى لن أنجح فى غيره .

الوالد ، أنا كنت بهزر وكنت عايز أسمع أى حاجة تسلينى فى الطريق أحسن التسجيل عطلان ،وكمان عشان أتأكد إن حماسك لسة موجود مش مات ، ممكن تبطلى كلام إلا لو هتغنى .

ضحكت فاطمة ثم أخرجت كومبيوترها الشخصى وقامت بتصفح الانترنت لتنقل إلى والدها خبراً عن تفاقم الأزمة مع الحكومة وتصف له مدى كذب المواقع الحكومية فى ما تنقله من أخبار .

عادت فاطمة إلى البيت ، غداً يجب أن أنام مبكراً ، لدينا حفلة استقبال بالجامعة لطلبة الفرقة الاولى لهذا العام غداً ، تصبح على خير يا والدى .

الوالد : وأنتى من اهله يا حبيبتى .

فى اليوم التالى ، تمسك فاطمة المايك ، طلبة حاسبات الفرقة الأولى ، مرحبا بكم ، معكم أنا الطالبة فاطمة من الفرقة الثاثة ، أمين اللجنة الثقافية فى اتحاد الطلبة .

هل تسمحوا لى أن أتحدث معكم قليلاً ، مشكلتنا أن نسبة كبيرة منكم دخلت الكلية بسبب التنسيق ، وهم يعتقدون بأن أحلامهم قد ضاعت لكن هم إن ركزوا بعض الوقت سيجدون أن ما ضاعت ليست أحلامهم لكنها أحلام أهاليهم .

واحد هيقول أحلام أهالينا هى أحلامنا ، سأرد عليه بأن لا أحد مهما كان يملك أن يحلم لك حلمك ويعيش أحداثه ، لا أحد يملك أن يساعدك إلا عندما يتحول الحلم إلى كابوس فظيع ، حينها يوقظك فقط من النوم وأنت مرعوب يحاول إطفاء نار خوفك ببعض قطرات المياه ، لكن أنت وحدك وحدك من تعانى وأنت وحدك فقط من تتحمل العقبات .

كلية الحاسبات هى أهم كلية لمستقبل بلادنا ، هى أهم كلية للتقدم التكنولوجى ، لمواجهة الحرب المعلوماتية للاستعداد للحروب الالكترونية ، إن بلادنا متأخرة ومتأخرة كثيراً وأنتم هنا لكى تنجحوا فى المجال لا تحتاجوا لشىء سوى أن تحبوا المجال ، تحبوا الكومبيوتر ، أبى علمنى قاعدة جيدة جداً كثيراً ما استخدمتها ، عندما تحب شيئاً بشدة لدرجة أن يملكك الشىء عليك أن تكرهه بشدة ، إن حكماء العرب قالوا بأن علاج الأمراض بأضدادها ، نعالج الحرارة ببرودة الكمادات والجهل بالعلم .

قم بتصيد العيوب وسيقل حبك تدريجياً حتى تصل إلى حد الأمان ، يجب عليك أن لا تحب الهندسة وتحب أكثر الحاسبات ، تفنن فى تصيد عيوب الهندسة وعيوبها كثيرة مثلما هم يتفننوا فى تصيد عيوب كل مجال لكى تستمر ريادتهم المالية لا الكفائية ولا البنائية .

طالب الهندسة ليس أحسن منك فى شىء ولا أنت أحسن منه فى شىء ، العبرة بما تقدمه أنت لهذا الوطن ويقدمه هو لهذا الوطن وأنت هنا لتكلمه وهو هناك ليكملك ، كفى أن يظل الوطن فى امعائكم لا فى عقولكم لأنه وللأسف هكذا تأخرنا .

تحتاجوا أن تساعدوا بعضكم البعض ، مدوا أياديكم وقلبوا أوراق الكتب معاً ، ابحثوا فى أصول المعرفة سوياً .

طلبت أحد الفتيات أن تسأل فأشارت لها فاطمة بالسؤال

أنا كنت أسال أحد أقاربى عن وظيفتى بعد التخرج من كلية الحاسبات فلم يجبنى إجابة واضحة وقال لما تتخرجى إن شاء الله تقعدى فى بيتك معززة مكرمة وتاخدى بالك من أولادك وزوجك .

فاطمة : شكراً جداً على سؤال حضرتك لأنها معاناة لينا كلنا ، من مجتمع سلبى كامل جاهل تماماً تسوده الأمية بنسب عالية والفقر بنسب غريبة .

أنا على فكرة ضد عمل المرأة المهملة وكذلك ضد عمل الرجل المهمل وزى ما هناك الرجل الفاشل الفاسد فى عمله فهناك المرأة الفاشلة الفاسدة فى عملها وكما هناك الرجل الصالح هناك أيضاً المرأة الصالحة .

نحن لا نتعلم لكى نجلس فى بيوتنا وإلا ما كلفنا دولتنا الأموال وأضعنا من عمرنا السنين فى مجالات عملية لا تحتاجها دنيا الأسرة لكن تحتاجها دنيا المجتمع . إننا نتعلم لننتج ونبنى ونحقق ونضيف شيئاً جديداً للحياة وكما قال الأديب المصرى مصطفى صادق الرافعى " من لم يزد على الدنيا شيئاً فهو زائد عليها . "

وكما قال كاتبىنا الروائى يوسف السباعى هذه الكلمة التى أحفظها عن ظهر قلب وأتصبر بها عندما تضيق الحياة " المرأة مستعبدة لأنها تجلس على قارعة طريق الحياة منتظرة من يأخذ بيدها فيؤويها و يطعمها و يكسوها ويعطيها اسماً ومعاشاً ، إن مصيرها في الحياة وأملها في الأرض معلقان على عابر السبيل الذي سيتناولها بين الاف المنتظرات ليسير بها في ركب الحياة ،وبغير هذا تبقى العمر مترقبة تتلهف في إعياء و يأس .


حمق !! وغباوة هذا ما جعل النساء فى الارض مستعبدات ذليلات ، إنهن يشكون لأن الرجل يتحكم في مصيرهن !

ماذا يمنعه من ذلك مادمن قد وضعن مصيرهن فى يده وعلقن به حياتهن لا .. لا .. يجب عليها ألا تجلس في انتظاره ، إنها ستسير من البداية في الركب ، إن حاجته اليها اكثر من حاجتها اليه ، ستسير معه جنبا الى جنب بل ستسبقه فى السير ، ستكون هي المسيطرة على نفسها ، المتحكمة في مصيرها . "

يا فتاتى مجالكى هنا أفضل من أى مجال أخر حتى أنكى تستطيعين العمل من داخل البيت فيه وهو ما لا يتوفر فى مجال أخر تقريباً ومع هذا أنتى فى النهاية سيكون اسمك مهندسة برمجيات لأننا سننشىء النقابة قريباً بإذن الله ، إن الحق طريقه صعب لكنه يرد إلى أصحابه فى النهاية .

سلمت فاطمة المايك لزميل أخر ثم خرجت من المدرج وأخذت تبتعد قليلاً قليلاً وهى تقول فى نفسها : لماذا أنا هنا مضطرة لمعالجة سلبيات الجامعة داخل الجامعة بينما فسادها نابع من الخارج ، نابع من القيادة الكبرى للوطن نابع من الرئيس وابن الرئيس وعم الرئيس ، صلاح الناس بصلاح حكامهم وفسادهم بفساد حكامهم .

نابع من الحاشية من الطاغية من الشعوب النامية ، لا أدرى عن ماذا أدافع عن حق ضائع فى العمل أم حق تائه فى الحياة ، لا أدرى عن ماذا نقاتل عن سلطة للأحياء على الأحياء أم سلطة للأموات على الأحياء .


تأليف : أمين سعيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رابطة الطلاب الليبراليين Designed by Templateism.com Copyright © 2014

صور المظاهر بواسطة Bim. يتم التشغيل بواسطة Blogger.