السلام عليكم
كيف حالك يا صديقي الليبرالي .. وكيف أصبحت اليوم ؟؟ وما حال الصباح معك ؟
اعلم يا صديقي الليبرالي أنى مثلك تماما .. أعانى مما تعانى .. وأواجه ما تواجه.. وأشكو مما تشكو .. وأكره ما تكره ...
يصدمني ما يصدمك .. يصدمني أن أناقش أحدهم .. فأجد كل قناعاته الفكرية ترتكز في معظمها حول ثنائية فقيرة .. هي الكفر والإسلام .. أو ثنائية مقيتة هي الانحلال والأخلاق ..!!
والحقيقة التي أقر بها ويقر بها الواقع .. ويجب أن تقر بها أنت الآخر .. هو أن قطاعا عريض من أبناء وطني يسبحون في تيار مناهض للتوجهات الليبرالية بل ومعادى لها .. بسبب الدعاية الكاذبة عنها ممن لا يعتقدون بها أصلا .. وممن لا يعرفون عن الليبرالية غير اسمها .. ويساعدهم على ذلك مجموعة قليلة طرحت الليبرالية كغطاء يتوجه في الأساس لمحاربة الدين .. وقلة أخرى طرحت الليبرالية تحت شعار ( الحرية الشخصية ) .. لتسبح بالوطن ومواطنيه إلى نحو أعمال منافية لقواعد أخلاقية عامة ..
وكلتا المجموعتين ساعدتا أصحاب الأيدلوجيات الدينية في حروبهم بالدعاية الخاطئة عن الليبرالية حيث ارتبطت الليبرالية ارتباطا وثيقا بمفهوم الكفر والزندقة حتى وسط أصدقائنا الجامعيين ..
فالليبرالية من وجهة نظرهم لا تتعدى كونها مجرد مفهوم شخصي لا يستند على دليل فضلا عن أي منطق عقلاني .. وبالتأكيد تخلو – من وجهة نظرهم – من أي حس ديني أو فضيلة أخلاقية ..
إذن الليبرالية يا صديقي الليبرالي تعانى من أمرين ....أزمة خطاب .. وأزمة أدوات وأشخاص ...
فالمنطق ومن قبله العقل يقولان : إن أي فكر يريد أن يتحدى كل مفاهيم المجتمع مرة واحدة وبأسلوب تصادمي لا بد له من أن يفشل .. وفشلا سريعا .. هكذا تقول نظرية طبائع الأشياء ..
فالطبيعة ترفض التغييرات المفاجئة والأشخاص يأبون التغير ويهابونه .. فالليبرالية في حاجة لكي تطرح نفسها مغلفة بغلاف من مجتمعها لكي يتأتى لها أن تعيش فيه وتنمو وتكبر .. فعلى الليبرالية أن تمتزج بالمفاهيم العقائدية والاجتماعية والأخلاقية بل والدينية للمجتمع الذي تنبت فيه .. هذه ضرورة حتمية إن أردنا لها البقاء .. ولا تنسى أن الليبرالية هي بنت عصرها وبنت مجتمعها في الأساس .. و تذكر أن ما تصر عليه الأحزاب والجماعات الإسلامية المعادية بطبيعتها لأي تعدد مذهبي فضلا عن التعددية الدينية هو أن مصر دولة إسلامية وأن الخطاب الديني – حسب زعمهم - لا يجيز هذا التعدد .. فعلينا نحن معشر الليبراليين أن نستفيد من هذا الففه نفسه مضافا إليه حوادث سابقة من التاريخ الإسلامي لنثبت لرجل الشارع العادي أن ما يقوله هؤلاء هو عين التطرف في القناعة .. فمرورا من الآية القرآنية ( لا إكراه في الدين ) .. ومرورا بسيرة النبي واختلاطه باليهود ومعاملته لهم لدرجة أن يموت وسيفه مرهونة عند يهودي كما تقول رواياتهم .. ومرورا بتاريخ الخلفاء وتعيينهم للمسيحيين والصابئة في مراكز هامة وحساسة في أرجاء الدولة الإسلامية ونهاية بالتاريخ الحديث والتعايش السلمي لقطاعات متعددة مع المذاهب والأديان الأخرى في الدول العربية والإسلامية ..كل هذا ما إلا مواد غنية وغنية جدا لتأكيد الخطاب الليبرالي وتعميقه .. ولتأكيد مبدأ الحرية الدينية والعقائدية ..
فتغليف الخطاب الليبرالي لمبادئه بالفقه والتاريخ والعقيدة والثقافة والعقلانية بالطبع لن يضر الليبرالية .. بالعكس إن الليبرالية لا تتعارض والإسلام أصلا – حسب اعتقادي - .. وسنؤكد أن الليبرالية مجرد نهج وليست دين .. أو طائفة .. أو مذهب .؟!!
لا أعتقد أن هذا الأسلوب قد يعود بالضرر علينا يا صديقي الليبرالي .. ولكنه سيقف منافساً قوياً للطرح الديني وربما متغلباً عليه...المهم هو أن نتفق على المبدأ.. ومرة أخرى أقول : استغلال الأدوات الشرعية والثقافية والتاريخية في الخطاب لن يؤثر على المبدأ ولكنه سيزيده قوة وترسيخاً في الذهن الشعبي ومعه القناعة بمن يمارس هذا الخطاب ….ولنقيس بعد ذلك كل المبادئ الليبرالية الأخرى على هذا المثال... حتى العلمانية بمفهومها فصل النص المقدس عن الدولة.... سوف نجد ما يؤيدها في السياق التاريخي من أول الخلفاء الراشدين ونهاية بدولة الخلافة العثمانية.... فما المانع من استخدام هذا التراث الغني لصالح المبدأ الليبرالي العلماني؟!
يجب أن يفهم كل مصري . . معنى كلمة ليبرالي .. ويجب أن يرتكز خطابنا على قضية واحدة في أذهان جميع المصريين .. فليس معنى كوننا ليبراليين أن نرمي بأجسادنا في أحضان المصالح الأمريكية الإسرائيلية .. يجب أن يدركوا جيدا أننا لا نتخلى عن مصالحنا ولا عن حقوق العرب والمسلمين لصالح أيا من كان ... ( حتى ولو كان ذاك الغير تتقارب أيدلوجياته مع أيدلوجياتنا (
يجب أن يعلموا جيدا أنك يا صديقي الليبرالي لست متأمركا فكرا وعملا وكلاما .. يجب أن يعلموا أنك ك ليبرالي وطني قلبا وقالبا تدافع عن حقوقك وعن حقوقهم ..
وأما فيما يتعلق بالأدوات يا عزيزي الليبرالي .. فيجب أن تكون أدواتنا شخصيات تمثل إضافة لا عبئا .. واهم صفة في هذه الشخصيات هو القناعة بالأيدلوجية الليبرالية الناضجة البعيدة كل البعد عن المفاهيم الشاذة والمختلطة التي لن يقبلها أبناء وطننا تحت بند الحرية الشخصية .. ( حتى ولو كنت أنت أو أنا نتفق سويا على خانتها تحت هذا البند ) .. لكن ما الفائدة التي قد تعود علينا بتيار يريد أن ينشط سياسيا ويتبنى مبادئ وأفكار شاذة عن مجتمعنا وثقافاته ..!! .. وكيف له أصلا أن ينشط بدون قاعدة مجتمعية عريضة تؤيده وتدعمه ؟؟
باختصار يا عزيزي نريد شخصيات تحسب تصرفاتهم ل الليبرالية لا عليها .. لا يهمني إذا كان هذا الشخص يريد أن يشرب الخمر أو .. أو .. أو >>) حسب ذوقه الشخصي ) لكن كل ما يعنيني ويشغل بالي هو أن يكون خطابه وقضاياه وأفكاره متوازنة وموازية لصالح التيار الليبرالي ..!!
فأنا وأنت وغيرنا من معشر الليبراليين لا نريد بالطبع أن نتخلى عن هويتنا المصرية ولا الشرقية ولا الإسلامية ولا نرفضها ولا نتبرأ منها .. ولا نريد أن يتبنى المجتمع مفاهيم تتعارض مع قناعات نشأ عليه وفى نفس الوقت تتفق وقناعاتنا الليبرالية والعلمانية
ما أحوج الليبرالية يا صديقي إلى .. هي نواه من الطبقة الطلابية المتعلمة .. نواة تبنى ليبرالية وسطى تقف على مسافة متساوية من الانحلال ومن التشدد والانغلاق .. نواة نبنيها بسواعدنا لتكون يوما .. الطبقة الوسطي لهذا المجتمع الذي يعانى من خلل متباين في طبقاته
وأظن أنك مقتنع مثلى .. بأن الشعب المصري هو أكثر شعوب المنطقة قابلية لتطبيق الليبرالية فقط إذا أفلحنا في إقناعه بأن هذا المنهج لا يتصادم مع الدين ولا يتعارض مع قناعاته ومفاهيمه ولا مع ما يظن أو يراه أنه ثوابت ..
نريد أن نكون فاعلين وأن نبتعد قدر الإمكان عن السذاجة السياسية التي يغرق فيها خصومنا .. ويجب أن يتحول المنهج الليبرالي على أيدينا إلى قضية يتبناها الشعب المصري ولن يتم هذا إلا بوجود سياق عقلاني ناضج لأشخاص يريدون أن يعيشوا مع باقي طوائف وفئات الشعب المصري ..
وأخيرا . .أهمس في أذنك قائلا
علينا دوماً أن نبحث في الإنسان قبل أن نبحث في الأحداث ..فكما يكون الإنسان تكون الأحداث.. وليس كما تكون الأحداث يكون الإنسان...
بقلم : محمد حليم
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف